فصل: الشاهد الحادي بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن استيلاء السلطان أبي اسحق على الحضرة.

لما بلغ السلطان أبا إسحق كتاب أخيه الأمير أبي حفص وابن جامع من بجاية بادر مغذا إليهم ثم وافاه خبر انخلاع الواثق ابن أخيه بتونس فارتحلوا جميعا وسائر أهل الحضرة على طبقاتهم إلى لقائه وآتوا طاعتهم ودخل الحضرة منتصف الحجة آخر سنة ثمان وسبعين وستمائة ومحمد بن هلال شيخ دولته وعقد على حجابته لأبي القاسم بن الشيخ كاتب أبي الحسين وعلى خطة الأشغال لابن أبي بكر بن الحسن ابن خلدون كان وفد مع أبيه الحسن على الأمير أبي زكريا من أشيلية لذمة رعاها لهم لما كانت أم ولده أم الخلائف من هدايا ابن المحتسب أبي زكريا محلهم.
ورحل الحسن إلى المشرق ومات هنالك وبقي ابنه أبو بكر بالحضرة فاستعمله الأمير أبو اسحق لأول دخوله في خطة الأشغال ولم يكن يليها إلا الموحدون كما قلناه.
وعقد لفضل بن علي بن مزني على الزاب ولم يكن أيضا يليها إلا الموحدون لكن رعى لفضل بن مزني ذمة اغترابه معه إلى الأندلس فعقد له على الزاب ولأخيه عبد الواحد على بلاد قسطيلية ثم تقبض على أبي الحببر وأمر باعتقاله ودفعه إلى موسى بن محمد بن ياسين للمصاردة والامتحان ووجد مكان التمائم عليه طوابع وطلسمات مختلفة الأشكال والصور وتسحر بها فيما زعموا مخدومه فحاق به وبالها.
وكان شأنه في الامتحان والاستحلاف والهلاك بالعذاب شأن سعيد بن أبي الحسين أيام صولته إلى أن هلك في شهر جمادي الأولى من سنته والله لا يظلم مثقال ذرة.
ولما اعتقد السلطان أبو إسحق كرسي ملكه واستوثق عرى خلافته تقبض على محمد بن أبي هلال وقتله بجر نكبته سنة ست وسبعين وستمائة لما كان يتوقع منه من المكروه في الدولة وما عرف به من المساعي في الفتنة والله أعلم.

.الخبر عن مقتل الواثق وولده.

لما انخلع الواثق عن الأمر وتحول إلى دار الأقوري فأقام بها أياما وكان له ثلاثة من الولد أصاغر: الفضل والطاهر والطيب فكانوا معه ثم نمي عنه السلطان أبي اسحق أنه يروم الثورة وأنه داخل في ذلك بعض رؤساء النصارى من الجند فأقلق مكان ترشيحه واعتقله بمكان اعتقال بنيه وهو من القصبة أيام أخيه المستنصر ثم بعث إليهم ليلتهم فذبحوا جميعا في شهر صفر سنة تسع وسبعين وستمائة واستوثق له الأمر وأطلق من عنان الأمارة لولده إلى أن كان من شأنهم ما يذكر إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن ولاية الأمير أبي فارس ابن السلطان أبي إسحق على بجاية بعهد أبيه والسبب في ذلك.

كان للسلطان أبي إسحق من الأبناء خمسة: أبو فارس وعبد العزيز وكان أكبرهم وأبو محمد عبد الواحد وأبو زكريا يحيى وخالد وعمر وكان السلطان المستنصر قد حبسهم عند فرار أبيهم إلى رياح في أيامه ببعض حجر القصر وأجرى عليهم رزقا فنشؤا في ظل كفالته وجميم رزقه إلى أن استولى أبوهم السلطان أبو إسحق على الملك فطلعوا بآفاقه وطالت فروعهم في دوحه واشتملوا على العز واصطنعوا أهل السوابق من الرجال وأرخى السلطان لهم ظلهم في ذلك وكان المجلي فيها كبيرهم أبو فارس لما كان مرشحا لولاية العهد وكان ممن اصطنعه وألقى عليه رداء محبته في الناس وعنايته أحمد بن أبي بكر بن سيد الناس اليعمري وأخوه أبو الحسين لسابقة رعاها لهما وذلك أن أباهما أبا بكر بن سيد الناس كان من بيوت أشبيلية حافظا للحديث رواية له ظاهريا في فقهه على مذهب داود وأصحابه وكانت لأهل أشبيلية خصوصا من بين الأندلس وصلة بالأمير أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص وبنيه منذ ولايته غرب الأندلس.
فلما تكالب الطاغية على الدولة والتهم ثغورها واكتسح بسائطها وأشف إلى قواعدها وأمصارها أجاز الأعلام وأهل البيوت إلى أرض المغربين وأفريقية وكان قصدهم إلى تونس أكثر لاستفحال الدولة الحفصية بها فلما رأى الحافظ أبو بكر اختلال أحوال الأندلس وقبح مصايرها وخفة ساكنها أجمع الرحلة عنها إلى ما كان بتونس من سابقته عند هؤلاء الخلفاء فأجاز البحر ونزل بتونس فلقاه السلطان تكرمه وجعل إليه تدريس العلم بالمدرسة عند حمام الهواء التي أنشائها أمه أم الخلائف.
ونشأ بنوه أحمد وأبو الحسين في جو الدولة وحجر كفالتها للاختصاص الذي كان لأبيهم بها وعدلوا عن طلب العلم إلى طلب الدنيا وتشوقوا إلى مراتب السلطان واتصلوا بأبناء السلطان أبي إسحق بمكانهم من حجر القصر حيث أنزلهم عمهم بعد ذهاب أبيهم فخالطوهم واستخدموا لهم ولما استولى السلطان على الأمر ورشح ابنه أبا فارس للعهد وأجراه على سنن الوزارة فاصطنع أحمد بن سيد الناس ونوه باسمه وخلع عليه ملبوس كرامته واختصه بلقب حجابته وأخوه أبو الحسين يناهضه في ذلك عنوة ونفس ذلك عليهما البطانة فأغروا السلطان أبا اسحق بابنه وخوفوه شأنه وأن أحمد بن سيد الناس داخله في التوثب بالدولة وتولى كبر هذه السعاية عبد الوهاب بن قلائد الكلاعي من علية الكتاب ووجوههم كان يكتب للعامة يومئذ فسطا السلطان بابن سيد الناس سنة تسع وستين وستمائة آخر ربيع استدعى إلى باب القصر فتعاورته السيوف هبرا ووري شلوه ببعض الحفر وبلغ الخبر إلى الأمير أبي فارس فركب إلى أبيه في لبوس الحزن فعزاه أبوه عن ذلك بأنه ظهر لابن سيد الناس على المكر والخديعة بالدولة وأماط سواده بيده ونجا أبو الحسين من هذه المهلكة واعتقل في لمة من رجال الأمير أبي فارس بعد أن توارى أياما إلى أن أطلق من محبسه وكان من أمره ما نذكره بعد واستبلغ السلطان في تأنيس ابنه ومسح الضغينة عن صدره فعقد له على بجاية وأعمالها وأنفذه إليها أميرا مستقلا وأنفذ معه في رسم الحجابة جدي محمد ابن صاحب أشغاله أبي بكر بن الحسن بن خلدون فخرج إليها سنة تسع وستين وستمائة وقام بأمرها ولم يزل أميرا بها إلى آخر دولته كما نذكر والله أعلم.